23 Mar
23Mar

The Good Dinosaur أو “الديناصور الصالح” هو فيلم مغامرات خيالي تختلط فيه الكوميديا بالدراما، وهو مصنوع بالتقنية ثلاثية الأبعاد في استديوهات بيكسار للرسوم المتحركة وإنتاج شركة ديزني، مما ينبؤك مقدمًا عن مستوى الفيلم الذي أنت بصدد مشاهدته!

خيال علمي أم فانتازيا؟

قد يرى البعض أن فكرة تحدث الديناصورات تضم الفيلم إلى فئة الخيال الفانتازي، ولكن هذا – في رأيي – لا يرجع إلى ذلك، وإنما إلى اختيار كاتب السيناريو منظور السرد من جهة عالم الديناصورات وليس عالم البشر، كما أن أول 50 ثانية في الفيلم توضح أنه قائم على تيمة شهيرة في الخيال العلمي، وهي تيمة “التاريخ البديل” أو “ماذا لو؟”

ففي أقل من دقيقة نشاهد إحدى صخور حزام الكويكبات وهي تنحرف عن مسارها وتنطلق في الفضاء نحو الأرض مع عبارة توضح أن هذا الحدث “منذ 65 مليون سنة”، وهي الحقبة المرتبطة علميًّا بانقراض الديناصورات، واعتمادًا على هذه المعلومة لدى المشاهد تم الانتقال بين مشهدين متوازيين بتقطيع سريع وموسيقى تصويرية متصاعدة: مشهد الصخرة التي صارت نيزكًا ملتهبًا يقترب من الأرض بشكل مخيف، ومشهد مجموعة من الديناصورات المسالمة التي تقضي ليلة هادئة أخرى من حياتها غير مدركة للكارثة القادمة التي من المفترض أنها تحمل سبب فنائها!

ولكن بعد لحظات من الترقب والانفعال المتصاعد يغير الفيلم السيناريو التاريخي إلى سيناريو آخر خيالي.. وهو أن النيزك لم يصطدم بالأرض، وإنما مر بجوارها فقط.. ثم تظهر عبارة أخرى تنقل الأحداث مباشرة إلى ما “بعد ملايين من السنين”؛ لتبدأ أحداث الفيلم الفعلية في تاريخ بديل يفترض أن الديناصورات – التي لم تنقرض – تطورت حتى أن الأنواع غير المفترسة منها تبني لها بيوتًا بدائية وتقوم بالزراعة، وبعض الأنواع اللاحمة المفترسة – كما يظهر لاحقا في منتصف الفيلم – تعيش على تربية الجاموس البري في قطعان كرعاة البقر، وبالمناسبة فهذه أيضًا الحقبة التي شهدت بداية ظهور الإنسان!

نبذة دون حرق


                    

(آرلو) ديناصور صغير السن يعيش في أسرة متحابة مترابطة، لكنه بالرغم من نشاطه وحماسته الدائمين يعاني دائمًا من أنه أصغر إخوته حجمًا وأضعفهم بِنْية وأقلهم قدرة على إنجاز المهمات المختلفة.. وعندما يضيع من أسرته يخوض مرغمًا مغامرة مشوقة بحثًا عن أسرته؛ وخلال هذه المغامرة – التي هي الخط الرئيسي في الحبكة – تجمعه الأحداث بطفل بشري بدائي يعيش منفردًا ويجيد التعامل مع البيئة المحيطة القاسية، فيكون رفيقه في رحلة بحثه على المستوى الخارجي، بينما يرافقه – داخليًّا – والده الذي فقده في كارثة سابقة من خلال استحضار عباراته المشجعة ونصائحه الدائمة في مواجهة الحياة، فكانت المغامرة بمثابة رحلة جسدية بحث فيها عن أسرته وتعرف فيها على العالم الخارجي، ورحلة عقلية روحية موازية بحث فيها عن ذاته وتعرف فيها على قدراته وإمكانياته الدفينة التي طالما أكد والده على وجودها!

 

تقنيات الفيلم

أول ما جذب انتباهي هو اللوحات البصرية البانورامية الرائعة التي كانت سمة مميزة في الفيلم بألوانها الزاهية وتدرجاتها التي تبعث دفئا خاصًّا في المَشَاهد، ثم رَسْم الشخصيات الذي تميز – إلى جانب أسلوبه الطفولي المحبب – بالاهتمام بأدق التفاصيل التي تظهر بوضوح – وربما بتحدٍّ من صانعي الفيلم – في اللقطات القريبة جدا على وجوه الشخصيات وملامحهم وتعبيراتهم، كما كان التحريك انسيابيًّا بدرجة كبيرة مريحة للعين، لكنها ليست مثالية، ولعل هذا مقصود من شركة عملاقة يمكنها الوصول إلى الدرجة النموذجية بالفعل، فهذا كان أحد العناصر الخفية التي توحي بالجو الطفولي للفيلم (وهو ما سأفصله لاحقا) .. ويمكنك ملاحظة هذه الجوانب في العرض الدعائي التالي للفيلم

أما الموسيقى التصويرية فكانت تمثل معادلًا سمعيًّا مناسبًا جدًّا لكل حدث؛ فأضافت إلى مشاهد السعادة مرحًا وبهجة وإلى مشاهد الكوارث توترًا ولهاثا وإلى مشاهد الصراع حماسة وتشويقا.

وربما كانت هناك نقاط هبوط وبطء في السيناريو لكن يمكن اعتبارها لحظات التقاط أنفاس وتأمل في تطور شخصية البطل وفي تطور العلاقة بينه وبين صديقه الذي كان عدوه في البداية.

للكبار أم للصغار؟

اشتهرت شركة بيكسار بأفلامها التي تناسب الكبار والصغار؛ حيث تكون القصة من العمق بما يسمح لكل فئة عمرية بالغوص إلى المستوى الذي يناسبها مع الاحتفاظ بجو كامل من المتعة والتشويق. لكن هذه المرة أرى أن الفيلم كان مخصصًا للصغار، ويظهر هذا جليًّا في القصة غير المعقدة التي يغلب على أحداثها جو مرح بعيد عن كآبة الكبار، وكذلك الألوان الزاهية – بل الفاقعة أحيانا – التي تسيطر على الصور فضلا عن الموسيقى التصويرية المبهجة في غالب الأحيان!

إذن هذا فيلم – خصوصي – لطفلك مليء بالنصائح غير المباشرة وثري بقيم إنسانية متنوعة مثل الإعلاء من قيمة الأسرة وتقدير تضحيات الآباء وثمرة الاستماع لنصائحهم، وصفات الصديق الحقيقي وأهمية التعاون والثقة في النفس والوفاء وغيرها؛ لذا أنصح به لطفلك مع وعد بأنه سيمثل له أمسية مبهجة يستحقها بعد عناء الدراسة، ولو كان في سن ما دون الدراسة، فقصة الفيلم تصلح كـ”حدوتة ما قبل النوم” التي يعشقها الصغار ولا يملون تكرارها!

تم عمل هذا الموقع بواسطة