23 Mar
23Mar

"المحاسب" هو فيلم أمريكي من بطولة "بِن أفليك" إنتاج 2016م، قصته تدور حول محاسب عبقري، تلجأ إليه المنظمات الإجرامية الدولية الخطيرة لكشف التلاعبات المالية في حساباتها وتتبع الأموال المفقودة وتعقب سارقيها، لكن الأحداث تدفع به إلى سلسلة من الصراعات الدموية مع إحدى هذه المنظمات، في الوقت نفسه الذي تسعى فيه المباحث الفيدرالية للوصول إليه حيث أنه يجيد إخفاء شخصيته مع شهرتها الساحقة في هذا العالم السفلي!  
هذه هي القشرة التي تظهر على السطح في بدايات الفيلم، بينما الصورة الأكثر عمقا تظهر تدريجيا، وهي أن هذا المحاسب - بطل الأحداث ومحورها - هو أحد مرضى "التوحد" ولكنه يقدم نموذجا جديدا لهذه الفئة.. نموذجا فاعلا في الأحداث محركا لها لا مجرد متأثر بها.. نموذجا استطاع بفضل والده أن يتحكم في المرض ويستغله في صالحه بشكل غير تقليدي!
البداية قوية، ومنها تدرك أنك ستحتاج إلى التركيز جيدا مع سيناريو الأحداث القادمة؛ فكل عبارة لها دلالة وكل مشهد له أهمية، وسرعان ما تدور الحبكة المتماسكة في مسارين متوازيين؛ أحدهما في الحاضر، والآخر في الماضي عبر تقنية الفلاش باك؛ حيث يكون عليك دائما أن تبقى مترقبا ومتلهفا لجمع قطع البازل تدريجيا لتتعرف على أبعاد شخصية البطل وكيفية تشكلها وتطورها منذ الصغر، وفهم كيفية اكتسابها لتلك القدرات، ولا يحدث التقاطع بين المسارين إلا قرب نهاية الفيلم عبر مفاجأة - في رأيي هي أقرب لمفاجآت الأفلام الهندي - تجيب عن تساؤل سيلح بالتأكيد على عقل المشاهد اليقظ!  
الفيلم به خلطة لا بأس بها من المواقف الإنسانية العميقة مع مشاهد حركة (أكشن) مشبِعة لمحبي هذا النوع، فضلا عن لمحة رومانسية عابرة تناسب في سرعتها واقتضابها طبيعة الشخصية التي يصعب اختراقها اجتماعيا.. وهذا يجرني إلى الإشادة بالأداء المتميز لـ "بِنْ أفليك" الذي يذكرني بأدائه في فيلم Daredevil، الأداء الذي تكفي منه نظرات العينين الزجاجية الشاردة الحزينة - التي يجيدها هذا الممثل - لإعطاء الانطباع المطلوب بأن البطل إنسان وحيد جدا - إن جاز التعبير-؛ فمهما كان محاطا بالبشر فهو محاط بسياج من وحدته الشعورية لا المكانية!
الخط الدرامي الخاص بالضابط الذي يطارد البطل - وهو حبكة ثانوية مهمة - كان جيدا جدا رغم بعض المشاهد الطويلة المرتبطة به والتي لم تكن تحتاج إلى الحَكْي المصاحب للمَشَاهد، فكنتُ أفضل ترك الفرصة للمشاهِد للاستمتاع بالاستنتاج والاندهاش! كما أن شخصية الضابطة التي جندها لم تكن ضرورية في ظني ويمكن الاستغناء عنها، لكن يبدو أن فائدتها الرئيسية هي أن يجد الضابط من يحكي له قصته مع البطل لنتعرف من خلالها على المفاجأة الثانية القوية في الفيلم!
النهاية كانت جيدة جدا وتجيب عن كل التساؤلات والألغاز التي تناثرت أثناء الفيلم، كما أن المؤلف ادخر معها مفاجأة ثالثة وأخيرة على سبيل الهدية للمشاهد (شخصيا استنتجتُها وكنت أنتظرها من بداية الثلث الأخير)!
بقي أن أنوه إلى أن الفيلم نظيف من المشاهد المُخِلَّة وأنصح بمشاهدته.

تم عمل هذا الموقع بواسطة