23 Mar
23Mar

فيلم إثارة وأكشن وخيال علمي من نوعية "ما بعد المحرقة" أو "ما بعد الكارثة" مستوحى من رواية فرنسية مصورة، صدر عام 2013م بإنتاج كوري جنوبي - أمريكي، بطولة "كريس إيفانز" الشهير بتأدية شخصية "كابتن أميركا" في سلسلة عالم مارفل الممتد، ومدة عرضه ساعتان تقريبا.

خلفية الأحداث قائمة على فشل تجربة عالمية عام 2014م لمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري، مما سبب كارثة مناخية نتج عنها عصر جليدي قضى على كل أشكال الحياة على الأرض، والناجون الوحيدون يعشون على متن قطار دائم الحركة يدعى Snowpiercer "محطم الثلج"؛ ذلك أن صانع القطار وحاكمه الذي كان عالما وصاحب شركة قطارات هو الوحيد الذي تنبأ بالكارثة قبل وقوعها وحاول التحذير منها بلا جدوى!

نعرف لاحقا من خلال الأحداث أن المجتمع داخل القطار مقسم طبقيا إلى: (نخب) يقطنون العربات الأمامية الفاخرة، و(عوام) يعيشون حياة مزرية بائسة في العربات الأخيرة، والعلاقة بين الطبقتين قائمة على المنفعة المتبادلة غير العادلة؛ فالعبيد يعملون في الأعمال الشاقة المطلوبة لاستمرار القطار، بينما يقدم لهم السادة الطعام المكون من بروتين هلامي مجهول المصدر! وبالطبع هناك جنود قساة وقانون صارم للعقاب على أقل الأخطاء لمنع أي تمرد يحاول أن يقوض هذا "النظام الاجتماعي"!

فنيا الفيلم من دراما المكان الواحد، وهو تحدٍّ أرى أن المخرج برع في تجاوزه بمهارة، باستخدام أدوات كثيرة أهمها حركات الكاميرا وزوايا التصوير، فضلا عن قدرته على إضفاء الجو المناسب لكل طبقة، فظهر التباين الواضح بينهما في الديكورات والملابس والألوان وحتى الموسيقى المصاحبة!

أحداث الفيلم تبدأ عام 2031م (بعد 17 عاما من بدء الكارثة) مع "كورتيس" ومعلمه "جيليام" اللذين يقودان ركاب عربات الذيل في ثورة ضد هذا النظام الاستبدادي للحصول على حياة عادلة كريمة تليق بهم كبشر، وكانوا يرون أن هذا لن يتم إلا بالوصول إلى مقدمة القطار والسيطرة على ما يطلق عليه "المحرك المقدس"!
في سبيل ذلك كان عليهم تنفيذ خطة محكمة متعددة الأدوار تم رسمها لفترة طويلة بالاستعانة بمعلومات تأتيهم من مساعد مجهول في عربات المقدمة عبر وريقات مدسوسة في الطعام من حين لآخر، ليتخطوا أهوالا عديدة ومعارك دموية أثناء انتقالهم من عربة إلى أخرى.. وبالفعل - عبر تفاصيل عديدة تحتاج إلى متابع يقظ لكل كلمة ولكل مشهد - كان هناك الكثير من العنف.. الكثير من الدماء.. الكثير من الأشلاء والأطراف المبتورة.. في إشارة واضحة إلى أنه لا ثورة تنجح بدون معاناة شديدة وضحايا.. الكثير من الضحايا!!

وقرب النهاية يصل البطل ومعه الشخص المسئول عن فتح أقفال القطار إلى العربة قبل الأخيرة التي تفضي إلى حاكم القطار الذي لم يره أحد أبدا، ويدور بينما حوار مهم يعترف فيه البطل بالفظائع التي ارتكبها والتي تمثل صدمة حقيقية للمشاهد، حيث نكتشف أن عقدة الذنب لديه كانت هي الدافع الحقيقي لاستمراره الشرس في القتال للوصول إلى هذا الحد الذي لم يصل إليه أحد من الثوار الذين سبقوه، ثم يتم اقتحام عربة المقدمة لتتم المواجهة بين البطل وحاكم القطار، ليدور حوار طويل آخر تنكشف فيه حقائق تحمل صدمة حقيقية للمشاهد وللبطل على حد سواء؛ حيث يعرف أخيرا من هو صاحب الوريقات، ويدرك أخيرا طبيعة "المنظومة" التي تحكم مجتمع القطار الذي يمثل فعليا الجنس البشري بأكلمه، ويدرك بالتالي أنه في حقيقة الأمر كل حدث يدور هنا تحت السيطرة، وكلٌّ يؤدي دورا مرسوما له حتى لو لم يدرك ذلك!!!
الآن البطل يشاهد على إحدى الشاشات مقتل معلمه وكذلك أعدادا كبيرة من البسطاء في ذيل القطار على يد من تبقى من الجنود، وتحت هذا التهديد يخيره الحاكم بين أن يخضع للمنظومة ويحل محل معلمه فيها، أو أن يموت في صمت، ليتم بهذا الحفاظ على الحياة البشرية!
هنا نصل إلى هبوط حاد في الأحداث بخاتمة مخيبة للآمال ممثلة anticlimax عنيفا ونموذجيا!!

وتمر دقائق بطيئة ليتلقى فيها البطل الصدمة ويفكر ثم يتخذ قراره.. بدا لي أن المخرج أراد أن يعطي المشاهد فرصته كذلك لاتخاذ القرار؛ فهناك - وهم الكثرة في ظني - من سيرون أنه ليس أمامه إلا الرضوخ خاصة بعدما ظهر أن هناك دائما "كبار" يسيطرون على كل شيء وأنه من العبث الاستمرار في محاولات التحرر، بينما سيرى آخرون أنه لا بد أن يقاوم لعل القدر يمنحه فرصة يستحقها يوما ما إذا رأى منه رغبة حقيقية في التحرر!!
وكنت شخصيا من الفئة الثانية؛ فبالرغم من أن النهاية كانت قوية وكافية عند هذا الحد، إلا أنني تمنيت بشدة ألا تكون كذلك.. وبالفعل - بعد دقائق من استيعاب الصدمة - قرر البطل أن يأخذ الخيار الذي لم يتوقعه الحاكم أبدا، وهو الخروج من المنظومة بتحطيمها - ممثلة في القطار - حتى لو أدى ذلك إلى فناء الجنس البشري؛ فلا خير في حياة البشر لو كانوا سينقسمون إلى الأبد إلى سادة وعبيد تحت دعوى كاذبة من السادة بأن هذا لمصلحة الجميع!!!!
فهل يمثل قراره نهاية الجنس البشري بالفعل، أم تكون هناك مفاجأة أخيرة؟!
* * * * *
وبعد،،،
فإن الأنظمة المستبدة دأبت على أن تضع الشعوب بين خيارين لإيهامهم بأن لهم حرية الاختيار، بينما هم ليسوا كذلك، فالاختياران دائما كلاهما مر، وكلاهما يضمن بقاءهم "تحت السيطرة"، بينما دعاة التغيير - خاصة الثوريون منهم - يكون لديهم دائما خيار ثالث.. أو هكذا يجب أن يكون!
_______________
تنويه: الفيلم خال من المشاهد المخلة لكنه ليس كذلك بالنسبة للمشاهد العنيفة!

تم عمل هذا الموقع بواسطة