23 Mar
23Mar

الزمان: 1984م
المكان: فصل دراسي
الشخصيات:
1- معلم
2- طفل لم يتعدَّ العاشرة
نهار / داخلي

الأستاذ (س) يتجول في الفصل وقد ارتفع صوته لا إراديا أثناء انفعاله في الشرح، ومن وقت لآخر يفاجئ أحد تلاميذه بسؤال ليكتشف مدى انتباهه، وبالطبع كان من التلاميذ من يستطيع الإجابة وينجو، فيتنفس بعدها الصعداء آملا أن يخفف هذا من احتمالية سؤاله مرة أخرى، على الأقل خلال هذه الحصة! بينما يقع بعضهم متلبسا بالجرم الشنيع: شروده وعدم انتباهه للشرح.. وحينئذٍ!!
وتمر اللحظات الثقيلة.. ويستمر المعلم المعقود الحاجبين دائما الثاقب النظرات أبدا في جولته المرعبة بين طاولات الأسرى الذين يحاول كل منهم ثقب حذائه بنظراته معتقدا أن ذلك كاف لنجاته صارخا في أعماقه كلما اقتربت منه الخطوات: هل ستكون الرصاصة التالية من نصيبي؟!
وفجأة.. تقع عينا المعلم على مشهد لم يتوقعه...!

* * * * *

الزمان: 2018م
المكان: فصل دراسي
الشخصيات:
1- معلم
2- طفل لم يتعدَّ العاشرة
نهار / داخلي

الأستاذ (م) معروف بحدته وسرعة غضبه عندما يكتشف عدم انتباه أحد تلاميذه وانشغاله بأمر تافه لا يجوز أن يلهيه عن الشرح.. وعلى الرغم من أنه نادرا ما يستخدم العقاب البدني سيما الصفع على الوجه لأنه منهي عنه شرعا، إلا أن أي تلميذ كان يخشى بشدة أن يقع متلبسا بالشرود وعدم الانتباه؛ لأنه لن يسلم وقتها من الغضب العاصف لأستاذه؛ حيث يتلقى من شديد الصراخ وقاسي الكلمات ما كان يتمنى المسكين معه أحيانا أن يُضرب بالعصا وكفى..!!!
وفي ذلك اليوم، أثناء جولة الأستاذ (م) بين تلاميذه، وقعت عيناه على مشهد لم يتوقعه...!!

* * * * *

وقعت عينا الأستاذ (س) على ذلك التلميذ الذي أمسك بقلم ملون، وانهمك تماما في الرسم على طاولته الملساء..
كان بارعا في الرسم حتى أن جميع زملاء فصله كانوا يخطبون وده لكي يرسم لكل منهم في دفتره إحدى الشخصيات الكارتونية الشهيرة وقتها، مثل سوبرمان وجريندايزر..
لكن المعلم لا يعرف هذا.. ولا يعنيه.. ما كان يعنيه في هذه اللحظة أن هناك من يستهين بحصته وبوجوده حتى أنه واتته الجرأة لكي ينهمك في الرسم أثناء الشرح؛ لهذا تجده يتوقف عن الشرح، ويتحرك في خطوات ثابتة هادئة - قاصدا ألا ينتبه إليه الطفل الشارد تماما - لهدف في نفسه، وأخذ يقترب ويقترب.. والجميع يحبس أنفاسه مترقبا ما سيحدث بعد لحظات..
كل ذلك والطفل ما زال شاردا في عالم آخر مع شخصياته التي ملأت الطاولة أمامه..
وتوقف المعلم خلفه مباشرة...!

* * * * *

وقعت عينا الأستاذ (م) على مشهد تلميذ في طرف الفصل وقد دفن رأسه بين ذراعيه المنعقدين على الطاولة وذهب في نوم عميق.. توقف فجأة عن الشرح، وتحرك ببطء وهدوء مقصودين نحو التلميذ النائم.. حاول أحد التلاميذ تنبيه ذلك النائم، إلا أن المعلم منعه بإشارة متوعدة من يده..
شخصت أبصار بقية التلاميذ وقد فطنوا إلى سبب توقف الشرح، وتصاعدت همساتهم ونَمَت ابتساماتهم السادية متصورين ما سيحدث بعد لحظات..
كانوا يتشوقون لرد فعل معلمهم الذي يثير جنونه مجرد حديث جانبي بين اثنين أثناء شرحه، فماذا بتلميذ مستغرق في النوم؟!
وتوقف الأستاذ (م) أمام التلميذ النائم مباشرة...!

* * * * *

هَوَت كفّ المعلم العملاقة على مؤخرة رأس الطفل بضربة قاسية عنيفة، حتى أن الدنيا أظلمت أمام عينيه لنصف دقيقة كاملة.. وشعر المسكين وقتها بمزيج مخيف - لم يغادر ذاكرته أبدا - من الحيرة والذعر من العمى المؤقت الذي أصابه!!
وبعد أن ارتد إليه بصره، وبدأ في استيعاب وإدراك ما حدث، تحول شعوره إلى خزي ومرارة شديدة - أيضا لم ينسهما أبدا - من جَرَّاء ضحكات زملائه التي تعالت استمتاعا بمشهد ذهوله.. فضلا عن دهشته من نظرة التشفي الواضحة في عيني المعلم وقد علت محياه مخايل الانتصار.. لقد انتقم لنفسه ولكبريائه!
الآن اتضح للجميع هدف أستاذهم من الاقتراب بهدوء من تلميذه الشارد!!

* * * * *

فوجئ التلاميذ بالأستاذ (م) وهو ينحني نحو زميلهم النائم، ثم يربت بحنان على كتفه موقظا إياه برفق ولين.. عندها انتبه الطفل من نومه؛ ليتفاجأ بمن أيقظه.. وقبل أن يعلو الخوف ملامحه، قال له معلمه بابتسامة ودود ولهجة مشفقة: هل تأخرت في النوم ليلة أمس؟
أومأ التلميذ -الذي زايله الخوف وحل محله الخجل- برأسه إيجابا، فقال له الأستاذ (م) -ولم تفارقه ابتسامته-: اذهب إلى الحمام واغسل وجهك بسرعة حتى لا يفوتك الشرح.
الآن اتضح للجميع هدف أستاذهم من الاقتراب بهدوء من تلميذه النائم!!
أستاذهم الذي قفزت أمام عينيه - أثناء سيره نحو تلميذه - ذكرى خاطفة.. ذكرى حدثت منذ أربعة وثلاثين عاما!!

-تمت-

تم عمل هذا الموقع بواسطة