23 Mar
23Mar

"عمو.. عاوز أفلام من بتاعة الفضاء"..

هذا ما كنت أحاول أن أصف به نوعية الأفلام التي أريدها لصاحب محل الفيديو وأنا في السادسة من العمر.. قبل أن أعرف أن هناك في الحياة شيئا رائعا اسمه (الخيال العلمي).. ذلك المصطلح الذي كان يخلب لبي من قبل حتى أن أعرفه.. فكان مدخلي إليه - قبل أن أقدر على قراءة أدب النوع - هو الأفلام ومجلات الكوميكس الأمريكية..!

ولم يكن الرجل يفهم مقصدي بالطبع، فكان يقدم لي ما يتوقع أن يبهر طفلا صغيرا.. أفلام الكراتيه.. أفلام الأساطير.. لكني كنت أصر على مطلبي الرئيسي: (أفلام الفضاء)..!

ربما ارتبط الخيال العلمي لدي بالفضاء لأن أول ما رأيته حوله هو السلسلتين فائقتي الشهرة واللتان ما تزالان تبهراني إلى الآن "حرب النجوم" Star wars و"كوكب القردة" Planet of the apes، وفيهما ما فيهما مما ينطلق بالعقل إلى آفاق لا محدودة وعوالم ساحرة..!

إذن.. لماذا أحببتُ (الخيال العلمي)؟
لماذا اخترتُ الكتابة في (الخيال العلمي) وليس (الخيال الفانتازي)؟

وجه لي مذيع سؤالا شبيها في لقاء تلفزيوني عن كتاباتي في الخيال العلمي.. لم أكن على علم مسبق بالسؤال، لكن الإجابة كانت جاهزة بداخلي منذ ثلاثين عاما تقريبا وإن لم تخرج إلا لحظتها.. وهي باختصار أرجو ألا يكون مخلا: أنه ممكن..!

وبتفصيل أرجو ألا يكون مملا: أن الفانتازيا تمثل بالتأكيد لحظات من الانبهار الممتع والسعادة الساحرة.. لكن المرء يعود بعدها محبطا لأنه لا يملك من كل هذه الأحلام تحقيقا.. فلن أستطيع يوما التحليق ببساط الريح أو البيجاسوس (الحصان المجنح)، ولن أقدر أبدا على الرؤية عبر المسافات بالبلورة السحرية.. ولن أملك بالتأكيد التعويذة السحرية التي تمكنني من التنفس تحت الماء كالأسماك!!!

بينما عندما صار الخيال يعتمد على العلم.. عندما صارت أحلام الغد ترتكز على حقائق اليوم.. عندما أصبح الخيال علميا.. كانت هذه - بداخلي على الأقل - ضربة حقيقية لكل سحر قصص ألف ليلة وليلة ولكل إبهار الأساطير والملاحم الإغريقية..

الآن يمكنني قضاء وقت ممتع مع خيالٍ يصحب معه أملا في أن كل حلم ممكن التحقق، وهو ما أثبته العلم؛ فصار للخيال وأفكاره ثقلا.. ما بين مخترعات تملأ واقعنا المعاش ومخترعات تنتظر أن تقع يوما لا محالة...!

فحدث يوما بعد يوم إحلال مستمر لاختراع منطقي مكان كل فكرة أنتجهتا قريحة مؤلفي الأساطير والفانتازيا قديما..

حيث تحول بساط الريح إلى سيارة وطائرة وصاروخ يصل إلى عوالم ومجرات لم يحلم بوجودها البشر..!

وتحولت البلورة السحرية الكروية إلى بلورة مكعبة تأتي بصور ومشاهد من أقصى الأرض وآفاق الدنيا تسمى التلفاز..!

وتحولت طاقية الإخفاء إلى مجال كهرومغناطيسي يشتت الضوء فيحجب الرؤية عما وراءه..!

وتحول الجني العملاق الذي يمكنه تدمير مدينة كاملة أو هزيمة جيش جرار إلى مارد نووي يمكنه تدمير عدة مدن وعدة جيوش بضغطة زر..!

ومن أجل كل ذلك.. أعطى الخيال المبني على أسس علمية الأمل في الكثير مستقبلا..

فصار من الممكن الحصول على أي كائن عجيب أنتجته الأساطير - مثل الحصان المجنح والمسخ البشري ذي العين الواحدة أو الستة أذرع والحية ذات الرأسين - فقط بمزيد من الفهم للهندسة الوراثية والتحكم في قوانينها..!

وأضحى جائزا الحصول يوما على تأثير ماء الحياة الذي يعين على التئام الجروح في لحظات بواسطة أنواع من الإشعاعات..!

وربما صار من المحتمل مستقبلا بواسطة العقاقير والمقويات الصناعية إنتاج هيركيوليس (هرقل) ذي القوة الخارقة..!

بل ربما تحولت قصص الأرواح والأشباح ومصاصي الدماء إلى مغامرات منطقية مع كائنات من أبعاد أخرى لها خصائص تتواكب مع القوانين الخاصة بعوالمها..!

إذن.. كل فكرة باتت ممكنة التحقق وكل حلم أضحى جائز الوقوع..

فقط..

عندما أصبح الخيال.. علميا..!

تم عمل هذا الموقع بواسطة